“جـلـسـة الـفـسـتـق” بـيـن نـواف سـلام وعـلـي لاريـجـانـي



️ عـبـدالله قـمـح – لـيـبـانـون ديـبـايـت

في زيارته الأخيرة إلى بيروت، وهي الثانية في غضون شهر تقريباً، أدت حنكة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الدكتور علي لاريجاني، أن يسترق الاهتمام والنظر، كزائر فوق العادة.

وفي الواقع، فإن الأجواء التي أُشيعت قبل الزيارة كفلت بتحويلها إلى حدث استثنائي.

تماماً كما حصل في زيارته الأولى منتصف آب الماضي، التي وضع لها خصوم إيران جدول أعمال داخلي فاق ما دوّن في طهران!

ولاريجاني، الدبلوماسي البارع الذي شغل موقع كبير المفاوضين الإيرانيين وأفضى دوره إلى إبرام الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة عام 2015…

يعرف كيف يمرّر الصور والمواقف ويدوّر الزوايا، وكيف يتجاوز التناقضات بدهاء.

كما يمتلك قدرة واضحة على توظيف حضوره لفرض أبعاد نفسية على أي لقاء.

وقد تجلى ذلك في اجتماعه الأخير وما قبل الأخير مع رئيس الحكومة نواف سلام.

حيث تعمّد الضيف الإيراني أمام وسائل الإعلام “شبك الأيدي” مع سلام عند دخوله السراي الحكومي.

وفي داخل الغرف المغلقة حاول “تبريد” الأجواء، رغم كل التناقضات أو الخلفيات التي يضمرها سلام تجاه الدور الإيراني في لبنان.

في زيارته الأخيرة، ومع دخول الوفدين الغرفة المخصصة للقاء، لمس لاريجاني والوفد المرافق تغييراً في لهجة سلام التي اتسمت بالحدة في اللقاء الأول قبل نحو شهر.

فصحيح أن سلام لم يزح قيد أنملة عن دعوته الإيرانيين إلى “عدم التدخل في الشأن اللبناني”

إلا أن نبرته هذه المرة كانت أقل حدة، وأفسح المجال لنقاش أوسع بخلاف ما حصل سابقاً.

رغم ذلك، إستمر “فريق السراي” في إعتماد السياسة ذاتها القائمة على تعمّد التعتيم على الأجواء الإيجابية.

وحاول إسقاط صورة مغايرة للأجواء في محاولة على ما يبدو لإظهار علو اليد اللبنانية.

إذ تطرق يومها إلى كلام سلام ومواقفه من دون لفت النظر إلى تلك التي أوردها الزائر الإيراني.

في العودة إلى الزيارة الأولى منتصف آب الماضي، حاول نواف سلام منذ دخوله غرفة الاجتماع أن يبسط إيقاعه على اللقاء…

الذي حضره مستشاروه إلى جانب السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، وعدد من الدبلوماسيين الإيرانيين.

يومها، استهل سلام الجلسة بمطالعة عالية النبرة، ساق فيها انتقادات واتهامات لاذعة لإيران، متهماً إياها بالتدخل في الشأن اللبناني وعرقلة جهود الحكومة لبسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية.

كانت لهجته سريعة وحادة إلى درجة أن المترجم لم يتمكن من مجاراتها.

فراح يمرر جملاً مترجمة متقطعة وغير متصلة أضاعت المعنى، حتى بدا وكأن سلام لا يريد للزوار أن يفهموا بدقة ما كان يقوله.

ولولا أن بعض أعضاء الوفد يجيدون العربية لما تمكنوا من استيعاب مضمون ما قيل أو تفسيره.

خلال ذلك، لاحظ الوفد الإيراني أن سلام بدا منفعلاً ومتوتراً إلى حد التعرّق رغم برودة التكييف.

وفي إشتداد الموقف قاطعه لاريجاني قائلاً إنه أحضر معه من طهران مجموعة هدايا (كانت موضوعة أمامه على الطاولة)، عبارة عن صناديق فستق وزعفران وبعض الأشياء المعنوية.

ثم بادر إلى فتح إحدى العلب وقدم إلى سلام حبّة فستق (أو حبتان).

فتوقف الأخير عن الكلام وإلتقط واحدة وتناولها، ليعلّق لاريجاني ممازحاً: “هذا تدخل في الشؤون اللبنانية!”، فضحك الجانبان، ليردّ سلام بأن هذا التدخل “مرحب به”.

بعد هذه الواقعة التي أظهرت جانباً من القدرة الإيرانية على “الذبح بالقطنة” وامتصاص التوتر وتبريد النقاش، انتقل الحديث إلى مسار مختلف كلياً.

فأكد لاريجاني أن بلاده لا تضمر أي نوايا سلبية تجاه الحكومة اللبنانية الجديدة، بل على العكس، لا تزال على استعداد لدعم لبنان على مختلف المستويات متى طلب ذلك.

وتطرق الجانبان إلى قضايا عدة، منها تعزيز قوة لبنان عبر الإستفادة من قدرات المقاومة وملف إعادة الإعمار.

وأبدى سلام استعداداً للتعاون في هذا المجال، مشيراً إلى أن الدولة اللبنانية أقرت صندوقاً لإعادة الإعمار يمكن لطهران الاستثمار من خلاله.

ملمّحاً إلى رفضه تكرار تجربة ما بعد حرب 2006 حين تولى حزب الله مباشرة ملف الإعمار.

مع ذلك، لم تمر زيارة لاريجاني الأخيرة من دون ضجيج، رغم أنها كانت مخصصة للمشاركة حصراً في إحياء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الأمين العام السابق لحزب الله، الشهيد السيد حسن نصرالله.

ويُذكر أن طهران كانت تعتزم إرسال وفود كبيرة رسمية وشعبية بناء على دعوات داخلية إيرانية

لكن قرار السلطات اللبنانية بعدم السماح للطائرات المدنية الإيرانية بالهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي حال دون ذلك.

وفي محاولة لتسوية الأمر، كشف مصدر رسمي لـ”ليبانون ديبايت” أن إيران قدمت طلباً للموافقة الإستثنائية على هبوط طائرتين مدنيتين تقلان شخصيات رسمية ومدنية.

مؤكداً بأن الموافقة الأولية صدرت، قبل أن تتغيّر الأحوال بعد توصية الطيران المدني الذي أعاد خلالها التذكير…

بأن العدو الإسرائيلي سبق له أن مرّر تهديدات حقيقية بإستهداف المطار في حال هبوط طائرات إيرانية

وهو ما أدى إلى إنتزاع الموافقة بهبوط طائرات تقل مدنيين وإقتصارها فقط على الطائرات الرسمية.

ما اضطر الإيرانيون من غير الرسميين إلى القدوم لبيروت عن طريق العراق والإمارات وتركيا.

شاهد أيضاً

النائب حسن فضل الله: الأجدى للحكومة مناقشة خطة تسليح الجيش للتصدي للعدو

رأى عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله أنّه لا يمكن للأغلبية في الحكومة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *