ما تداعيات قرار «المركزي السوري» على المصارف اللبنانية؟

أصدر مصرف سوريا المركزي، الأسبوع الماضي، توجيهات تُلزم المصارف بتغطية كامل انكشافها على القطاع المالي اللبناني خلال ستة أشهر، أي ما قيمته 1.6 مليار دولار وفق تصريح حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية.
فُهم من هذا الإجراء والمدّة القصيرة الممنوحة للمصارف لتأمين هذا المبلغ، أنه بات على المصارف السورية، بما فيها خمسة مصارف ذات مساهمات لبنانية واسعة، أن تضخّ رساميل جديدة لتعويض خسائرها، سواء من أموالها الحرّة، أو من خلال مستثمرين جدد. توقيت القرار ومدّته وشكله من دون أي تنسيق مع مصرف لبنان، كل ذلك يثير الشكوك بأن الهدف إجبار المستثمرين اللبنانيين وحتى السوريين، على بيع كامل أو جزء من ملكياتهم في المصارف العاملة في سوريا. هوية المستثمرين الجدد لن تكون لغزاً.
الانكشاف على لبنان يعني أن المصارف السورية لديها مبالغ مودعة أو موظّفة في القطاع المالي في لبنان. وتغطية الانكشاف بشكل كامل تعني الاعتراف بأن هذه المبالغ تحوّلت من ودائع وتوظيفات إلى خسائر محقّقة تفرض على المصارف السورية تغطيتها بـ«مؤونات». وبما أن حجم الانكشاف وفق تصريح الحصري يبلغ 1.6 مليار دولار، فهذا يعني أنه يترتب على المصارف السورية تغطية المبلغ بنسبة 100%، وهذا رقم يمثّل ضغطاً كبيراً على المصارف العاملة هناك، ومن بينها المصارف المملوكة من مصارف لبنانية.

وبحسب التقديرات التي تشير إلى أنه يترتّب على المصارف اللبنانية أن تغطّي 500 مليون دولار من الانكشاف السوري أمام المصارف اللبنانية، فإن المصارف السورية التي فيها مساهمات لبنانية قد تكون في وضع صعب بعدما أصبح هذا المبلغ يساوي 11% من مجمل رساميل المصارف في لبنان المُصرّح عنها خلافاً لوقائع الإفلاس التي تفيد بأن غالبية المصارف في لبنان لديها رساميل سلبية.

ويقول كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، إن «تغطية هذا الانكشاف لا يجب أن تكون بالضرورة متناسبة مع حصّة المصارف اللبنانية في المصارف السورية المذكورة، فليس هناك ما يحدّد هذه الآلية».

كما يشير إلى أنه «في الوضع الحالي للقطاع المصرفي اللبناني، يُعتبر هذا الانكشاف الذي يجب تغطيته بنسبة 100% رقماً كبيراً».

بمعزل عن حجم الانكشاف، صغيراً كان أم كبيراً، إلا أن ما يثير الاهتمام هو القرار السوري القاضي بتغطية الخسائر خلال فترة ستة أشهر فقط. فهذا القرار يصدر على يد الحصري الذي كان يعمل لدى مكتب شركة «إرنست آند يونغ» في سوريا وهو شارك في بعض عمليات التدقيق التي أجرتها الشركة لعدد من المصارف اللبنانية.

وهو على علم أيضاً بأنه في أيام النظام السوري السابق صدر قرار عن مجلس النقد والتسليف يحاول التعامل مع هذه الخسائر بطريقة مختلفة وتدريجية لتنظيم ومعالجة التعرّضات الائتمانية للمصارف السورية لدى المصارف اللبنانية بعد الأزمة المالية في لبنان. ونصّ القرار على «تصنيف هذه التعرّضات كمتعثّرة اعتباراً من نهاية عام 2021، وإلزام المصارف السورية بتقدير خسائر انخفاض القيمة تدريجياً حتى نهاية عام 2022 بنسبة لا تقلّ عن 30%، وفقاً لمعايير المحاسبة الدولية والإسلامية».

كما يُلزم القرار المصارف بتزويد مفوّضية الحكومة بخطط تغطية الفجوة المالية، والامتناع عن توزيع الأرباح قبل تكوين المخصّصات المطلوبة، ويعفيها من العقوبات السابقة إذا التزمت بالتنفيذ، مشدّداً على أن المسؤولية الكاملة تقع على المصارف السورية عن تعرّضاتها في لبنان، مع ضرورة اتخاذ الإجراءات الوقائية لتقليل المخاطر المستقبلية.

في الواقع، هذه المقاربة جنّبت المصارف السورية اعترافاً فورياً بخسائر فادحة. وكانت قد عالجت جزءاً من المشكلة، إذ إن كل المصارف التزمت بها، ووضعت مؤونات بنسبة 30% من انكشافها على المصارف اللبنانية، حتى إن بعض المصارف ذهب لوضع مؤونات بنسبة 60% من الانكشاف.

أمّا اليوم، وبعد مرور ست سنوات تقريباً على انهيار المصارف اللبنانية، فقد ارتأت السلطات النقدية السورية تصنيف الأموال العالقة في لبنان كخسائر فعلية يجب تغطيتها بالكامل. وهذا القرار يأتي من دون أي تنسيق بين حاكم مصرف سوريا المركزي وحاكم مصرف لبنان، أي السلطتين المعنيّتين بالأمر في بلدين يعانيان من انهيار ضخم وهائل.

التجارة بين البلدين
تقلّبت العلاقة التجارية بين لبنان وسوريا في السنوات العشر الأخيرة، إذ مرّت بمراحل مختلفة. بشكل عام بقي لبنان بلداً مُصدّراً إلى سوريا إذا ما احتسبنا صافي الحركة التجارية.

انخفضت حركة التصدير إلى سوريا بعد إصدار قانون قيصر عام 2020، وهو الذي عرّض الاقتصاد السوري للعقوبات، وهو ما أسهم في انخفاض حركة التصدير من معدّل 210 ملايين دولار سنوياً، إلى نحو 107 ملايين دولار عام 2020 و91 مليون دولار عام 2021. إلا أن الدعم على المحروقات في لبنان، الذي تزامن مع شحّ بالمحروقات في سوريا في ذلك الوقت، أسهم في ارتفاع حجم التصدير من لبنان إلى سوريا إلى نحو 356 مليون دولار في 2022.

بعد ذلك عادت حركة التصدير إلى الانخفاض إلى ما دون الـ100 مليون دولار سنوياً، وذلك بسبب رفع الدعم في الجهة اللبنانية. لكن استمرت حركة التهريب إلى سوريا، خصوصاً مع هامش الفرق في الأسعار بين البلدين الذي بقي مرتفعاً نسبياً حتى بعد رفع الدعم في لبنان. ولم يقتصر التهريب على المحروقات، بل امتد إلى الكثير من السلع التي لم تكن سوريا تستطيع أن تستوردها بسبب العقوبات.

عام 2025، بعد سقوط النظام، ورفع العقوبات جزئياً، عاد التصدير من لبنان إلى سوريا للارتفاع، إذ بلغت قيمة الصادرات نحو 103 ملايين دولار في الأشهر الثمانية الأولى من السنة. في حين انخفض الاستيراد من سوريا إلى نحو 70 مليون دولار بعدما كان يبلغ نحو 133 مليون دولار في 2024، وهو ما يُشير إلى انخفاض الإنتاج السوري عقب تغيير النظام، بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية.

تزامنت عودة الصادرات اللبنانية إلى سوريا أيضاً مع الانفتاح السوري على البضائع الأجنبية، التي كانت الدولة تضع قيوداً على استيرادها، لأسباب مختلفة، منها دعم البضائع المحلية.

21
هو عدد المصارف الإجمالي في سوريا، منها نحو 15 مصرفاً خاصاً، في حين أن عدد المصارف الإسلامية هناك هو 4، كما إن هناك 6 مصارف عامة تابعة للدولة

شاهد أيضاً

قاسم يعلن اليوم موقف حزب الله… وقائد الجيش في باريس: بلبلة في القاهرة نتيجة كلام وزير خارجيتها في بيروت

️ صحيفة الأخبار بعد عام على وقف إطلاق النار في لبنان، تُظهِر الأحداث أنه اتفاق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *