{صمت المقاومة بين الواقع والمعادلات وحرب 《إسقاط الهيبة》

كتب إسماعيل النجار،

 

تتكثّف في الآونة الأخيرة الحملة الإعلامية الداخلية والخارجية التي تُسخِّر كل أدواتها للتشكيك في صمت حزب الله تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، وكأنّ الهدف المعلن ليس «السؤال عن الرد»، بل محاولة نزع الهيبة التي راكمتها المقاومة خلال عقود من المواجهة، وتقديم هذا الصمت على أنّه تراجع أو عجز أو ارتباك. غير أنّ هؤلاء، بعضهم عن قصد وبعضهم عن جهل، يتناسون حقيقة راسخة، أن المقاومة لم تكن في يومٍ من الأيام ردّ فعل انفعالي، ولا تُطلق النار بتوقيت أي أحد، إن كان المُتَمنِي صديق أو عدو.

.لقد خاضت المقاومة حرب المساندة إلى جانب الشعب الفلسطيني في غزة بقرارٍ مدروس، نابع من قناعة سياسية وأخلاقية وإنسانية ودينية وعروبية، ومن منطلق منطقي أنّ قوة عسكرية عربية وإسلامية كبرى كحزب الله ترابط على حدود فلسطين لا يمكن أن تقف متفرّجة على مأساة شعب تُرتَكَب بحقِهِ المذابح بهذا الحجم من دون أن تتدخل لنصرة الحق.

.هكذا كانت قناعة المقاومة، فهي لم تساند لإرضاء أحد، ولا لتسجيل نقاط سياسية او إعلامية أمام أحد، بل ناصرت وساندت إيماناً منها بأن التضامن الحقيقي مع الإخوة في فلسطين لا يكون بالشعارات والهتافات إنما بالأفعال كما فعلت المقاومة الإسلامية. وقرارات هذه المقاومة لا تُصنع بإنفعال أو تحت الضغط.

.وقيادة المقاومة شئنا أم أبينا تقرأ المشهد بدقة. وتعلم ما يخطط له العدو، وتعرف إلى أين يريد جرّ الساحة اللبنانية، وما هي الأثمان التي يسعى لفرضها. لذلك لم تنجرّ إلى أي مواجهة معه غير محسوبة، بل تُقيِّم المشهد الميداني والاستراتيجي لحظةً بلحظة، في غُرَف قرار غامضة وتُدرك كثيراً ما يغفل عنه الإعلام المنفعل.

.ولعلّ المفارقة المؤسفة أن حملات «إسقاط الهيبة» جاءت غالباً من أشخاص خاضعين لمنطق السباق على الـ”لايكات” و”المشاهدات”، دون أي معرفة بحسابات القوة أو طبيعة الصراع. تحليلات سطحية، صراخ، وضجيج، عوضاً عن فهم حقيقة المعادلة.

.ويبقى السؤال هل إن من يستعجل الحرب يعرف ثمنها؟ الغريب في الأمر أن يخرج بعض «المتحمسين» مطالبين بردّ سريع هنا أو ضربة هناك، وكأن الحرب لعبة فيديو.

.لكن أيضاً السؤال الذي يجب أن يُطرح على هؤلاء هوَ: هل تعتقدون أن المقاومة تنام على ضيم؟

.هل تظنون أن جهة راكمت خبرات قتالية وأمنية واستخباراتية عبر أكثر من أربعة عقود، وقدمت آلاف الشهداء والجرحى، تحتاج إلى شهادة “حماسة” من معلّق على منصة اجتماعية؟

.أخي المواطن إذا كنت تدري بما يجري، فاصمت. وإن كنت لا تدري، فاصمت أيضاً. واترك من يملكون القرار والمسؤولية والمعرفة يتصرفون وفق ما تفرضه المعركة، لا وفق ما يمليه عليهم مزاج المتابعين.

.إن قوة المقاومة ليست خبراً يُنشَر بل تجربة وواقع! بعيداً عن كل المواقف والانقسامات، فإن أي باحث عسكري محايد يعلم أنّ قوة المقاومة اليوم ليست تلك التي كانت عام 2000 أو 2006. هي قوة تطورت في التسليح النوعي، والقدرات الصاروخية الدقيقة والبعيدة المدى، والقدرات الدفاعية والتكتيكية،

الخبرة الميدانية المتراكمة من أكثر من ساحة، البنية التنظيمية والأمنية المعقدة، القدرة على الصمود والاستمرارية، وتاريخياً، هذه القوة قدّمت من التضحيات ما لا يمكن محوه أو تجاوزه بفقرة تلفزيونية أو تغريدة على منصة x. والهيبة لا تُسقطها الشاشات،

.هناك حقيقة لن يستطيع أحد نكرانها أن الهيبة التي فشلوا في إسقاطها في الميدان، لن يتمكنوا من إسقاطها في الإعلام. نحن نعلم قد يشنّ خصوم المقاومة حملات من كل الطوائف والجهات، وقد يتفنن البعض في الصيد بالماء العكر، لكن كل هذا الضجيج لا يبدّل في الحقائق شيئاً. الهيبة تُبنى بالإنجاز، بالثبات، بالحساب الدقيق، لا بالصراخ.

.أما عن سؤال وماذا لو بادرت إسرائيل إلى الحرب؟

الجواب؛ إذا كانت إسرائيل كما يكرر مسؤولوها، تنوي فتح حرب واسعة، فالمعادلة حينها مختلفة تماماً.

الحرب الكبرى لا تحتاج تبريراً عند وقوعها وعندها ستتولى ساحات القتال الإجابة عن الأسئلة التي يعجز الإعلام عن طرحها بموضوعية.

وستُظهر الأيام من هم أصحاب القرار، ومن هم أصحاب الصوت العالي في الميدان فقط.

بيروت في،، 26/11/2025

شاهد أيضاً

لبنان يحذر مما لا تحمد عقباه ويندد بالصمت الغربي تجاه إسرائيل

  حذّر وزير العمل اللبناني محمد حيدر من وصول الأمور إلى ما لا تحمد عقباه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *