بسم الله الرحمن الرحيم
في الذكرى السنوية لشهيدينا العزيزين التي نحييها اليوم، نعتبر أنفسنا أصحاب العزاء، ليس بحكم القرابة فحسب، إنما أيضاً لأن الذكرى السنوية الأولى، إنما تحولت الى مناسبة عامة، يختلط فيها الحزن الشخصي والعائلي، بالمشاعر العامة التي تعيشها بيئتنا ومجتمعنا وأمتنا، حزناً واعتزازاً بكل شهدائنا، وعلى رأسهم سيد شهداء الأمة سماحة السيد حسن نصر الله.
نستعيد ذكراهم جميعاً، عطاءاتهم وتضحياتهم، من أي شهيد قضى وحيداً في حاكورة منسيّة أو وادٍ معزول أو مغارةٍ في الجنوب، وهو يقاتل بروح استشهادية في مواجهة أعتى آلة عسكرية إسرائيلية وأكثر التقنيات تطوراّ وافتراساً، الى شهدائنا القادة الذين قرنوا القول بالفعل، مؤكدين مصداقية المقاومة ومصداقية حزب الله، عندما قضى الله عزّ وجل أن يتوِّجوا مساراتهم الجهادية بالشهادة، وهي أعلى مقام يرجوه كل مؤمن.
في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد سماحة السيد حسن نصر الله وسماحة السيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليهما) وأمام الحشود الهائلة التي شاركت بإحياء ذكراهما بالأمس، على كل المعنيين، بالداخل أو الخارج، أن يقرأوا الدلالات جيداً، إن مقاومتنا، ليست مجرد تنظيم عسكري مسلح، إنما هي مجتمع ممتدٌ وصلب، وتيار شعبي عابر للطوائف والمذاهب، وأن حزب الله، لا زال عبر شعبيته ومؤيديه، الحزب الأكبر في لبنان من حيث الامتداد والفاعلية، وهذه الدلالات ليست للتباهي أو التشوُّف أو الترهيب، بل مدعاة للآخرين للتعقُّل والواقعية والعودة الى الواقع بدل الانفصال عنه، لأننا نحن جميعاً كلبنانيين، نحن والآخرين، نشكِّل الدولة والسلطة والمجتمع والكيان وفي لبنان خصوصية ميثاقية وتوافقية، لا يوجد لها مثيل في أي بلد آخر، لهذا لا بد من التفاهم والحوار كي نقف في مكان وسط لا يؤذي أحداّ ويفتح الطريق إلى استقرار الدولة واستعادة السيادة، ووقف الاعتداءات، وإطلاق مسار التعافي.
إن منطق الدولة في لبنان يمرُّ عبر منطق التوافق ولا يتعارض معه، وأن منطق المؤسسات والقانون، يجب أن لا يتعارض مع المصالح الوطنية العليا، أو أن يُستخدم في تهديد الاستقرار الداخلي.
كما إن التمسك بمنطق الدولة والقانون، تستدعي أولاً وقبل أي شيء آخر، الابتعاد عن الخفَّة وقلة المسؤولية والنكد وسؤ التقدير والاستهانة بالحساسيات اللبنانية الداخلية.
لقد مرّ عام على الحرب، وهو كفيل بتظهير المشهد الذي يخيِّم على الوضع اللبناني، بوضوح شديد.
ويتيح تقويم المقاربة التي حكمت التعاطي مع استحقاقات العام الفائت.
أمامنا، مسار ميداني، أمعن فيه الإسرائيلي بالأعمال العدائية والاغتيالات، والاستمرار باحتلاله للمواقع اللبنانية، وأمامنا “إطار قانوني” هي لجنة الميكانيزم التي أخفقت إخفاقاً ذريعاً في فرض وقف إطلاق النار على الإسرائيلي، بل ذهبت إلى تغطيته والتواطؤ معه، والانضمام الى جوقة الضاغطين على الحكومة اللبنانية
وأمامنا مواقف سياسية وعسكرية إسرائيلية وأميركية، تخلو من أي ضمانات أو وعود مستقبلية حول الانسحاب من لبنان أو احترام السيادة اللبنانية، والذهاب بالمقابل من قبل “توم باراك” للحديث عن وهم السلام والإخضاع لصالح إسرائيل وتسليح الجيش اللبناني للقتال الداخلي.
هذا دون أن نغفل المواقف الإسرائيلية التي تتحدث عن أحزمة واتفاقات أمنية ومنع عودة السكان إلى المنطقة الحدودية، والتطبيع وإسرائيل الكبرى وغيرها.
لقد بات التغوُّل الإسرائيلي حافزاً لقوى إقليمية عديدة لإعادة تقويم تموضعاتها وتحالفاتها في ضوء الجموح الإسرائيلي المشار إليه، في حين أن لبنان في عين العاصفة الإسرائيلية، وهو أولى من غيره بالتقويم.
إذًا نحن أمام أفق أميركي-إسرائيلي مسدود وقاتم وخطير على المصالح والاستقرار في لبنان. وإن ذلك، يجب أن يشكل دافعاً لإعادة تقويم المقاربة الرسمية اللبنانية، وإن ركيزة هذه المقاربة يجب أن تستند إلى حق لبنان في الدفاع عن نفسه في مواجهة الأعمال العدائية الإسرائيلية، وتعليق كل مسارات المعالجة على إلزام إسرائيل بالانسحاب من المواقع اللبنانية والتزام وقف إطلاق النار ووقف الاغتيالات والسماح بعودة سكان القرى الحدودية إلى قراهم، وإطلاق عملية إعادة الإعمار ولو بإمكانات محدودة، واعتبار موضوع حصرية السلاح شأن سيادي لبناني يعالج في إطار استراتيجية الدفاع الوطني، ومن شأن هذه المقاربة أن تعيد اللحمة بين اللبنانيين وتشكل إطاراً لتفاهم السلطة مع المقاومة، مما يساعد على تصليب الموقف اللبناني وتعزيزه في مواجهة الضغوطات الخارجية.
الإثنين 29-09-2025
06 ربيع الثاني 1447 هـ