حـيـن قـالـت إسـرائـيـل إنـهـا سـتـغـتـال نـصـرالله

️ قـاسـم قـاسـم – الأخـبـار

صباح الـ27 من أيلول من العام الماضي، كتب آفي يسسخروف مقالًا في صحيفة «يديعوت أحرونوت» بعنوان «لنجرّب تصفية نصرالله».

مساء اليوم نفسه، اغتال سلاح الجو الإسرائيلي أمين عام حزب الله السابق، السيد الشهيد حسن نصرالله.

بالطبع، الجيش الإسرائيلي لا يعمل عند يسسخروف، ولكن لمن لا يعرف، فالأخير هو كاتب مسلسل «فوضى» الشهير على منصة «نتفليكس»

وكان ضابطًا في وحدة المستعربين «دفدوفان»، ومقرّبًا من دوائر القرار في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

ما كُتب صباح الـ27 من أيلول، يوم اغتيال السيد نصرالله، قد يكون محض مصادفة، وربما ما كتبه يسسخروف كان «وحيًا يوحى».

في مقاله المشؤوم، حلّل الكاتب الإسرائيلي شخصية «السيد»، وقال إنّه، رغم ما بادرت إليه إسرائيل من تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي.

وما أدّى إليه من إصابة الآلاف من عناصر الحزب واغتيال قيادة فرقة «الرضوان»، إضافة إلى تنفيذ 1500 غارة جوية صباح الـ23 من أيلول.

فإن ذلك كله لن «يدفع نصرالله إلى وقف دعم غزة، أو تغيير قراره أو نمط عمله، فمصلحته ستكون الآن في أن يثبت بقاءه، ولا يهم ماذا سيكون الثمن».

وبحسب الكاتب، ومَن «يوحي» إليه، فإن «نصرالله لا يمكنه أن يتخذ صورة من استسلم لليهود أو لضغط عسكري

ولهذا فهو يوضح أنه سيواصل العمل طالما لا يوجد وقف نار مع غزة»

معتبرًا أن استمرار نصرالله في إسناد الفلسطينيين ليس «مصلحة أمنية أو سياسية للبنان أو حتى لحزب الله، ولا حتى لإيران».

إذًا، لماذا يفعل نصرالله ذلك؟ في رأي يسسخروف «لقد سعى ليتخذ صورة الدرع للفلسطينيين، وليس فقط الدرع للبنان».

أمّا الحل لفك الارتباط بين الجبهتين، ففي رأيه «ليس تشديد القصف أو أعمالًا برية أو احتلال أجزاء من لبنان حتى الليطاني ودفع رجال حزب الله إلى ما وراء النهر.

لأن ذلك لن يؤدي إلى وقف إطلاق النار، وسيواصل حزب الله إطلاقها من منصات تقع عميقًا داخل الأراضي اللبنانية».

الطريق الوحيد الذي قد يغيّر الوضع، وفق يسسخروف، «سيكون المس بالرجل نفسه، بأمين عام حزب الله منذ 1992 (32 سنة)، الرجل كلي القدرة في المنظمة»

معتبرًا أنه من المحتمل «أن تشق إزالته الطريق بالذات لتسوية سريعة نسبيًا.

غير أنه هنا أيضًا ينبغي أن تقال الحقيقة: لا يوجد هنا حل سحري.

فخليفة نصرالله، هاشم صفي الدين (60 سنة)، وهو ابن خالته، من شأنه أن يبدو أكثر تطرفًا حتى من نصرالله…

مثلما حصل في حزب الله بعد أن صفّت إسرائيل في عام 1992 عباس الموسوي».

في نهاية مقاله، شكّك يسسخروف في قدرة إسرائيل على اغتيال «السيد»، ولكنه قال إن «المس به يمكنه أن يغيّر المعادلة، وأن يهزّ المنطقة».

في اليوم نفسه من تاريخ نشر المقال، وعند الساعة السادسة والنصف مساءً، اغتالت إسرائيل السيد نصرالله، بعدما أمر نتنياهو وهو في نيويورك سلاح الجو بتنفيذ العملية.

وكان قد سبقت زيارَتَه للولايات المتحدة دعوتُه المجلس الأمني – السياسي المُصغّر (الكابينت) إلى إبلاغهم بخطة الاغتيال.

وناقش معهم إن كان يسافر إلى الولايات المتحدة لإلقاء خطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فأكّدت المنظومة الأمنية أن سفره سيكون غطاءً جيدًا للعملية، وكان تقديرهم أن حزب الله سيتوقّع ألّا تُقدِم إسرائيل على عملية كهذه بينما نتنياهو في الخارج، لذلك سافر.

سبق نشر مقال يسسخروف تهديدٌ لعضو لجنة الخارجية والأمن ونائب رئيس الكنيست الإسرائيلي نيسيم فاتوري (9-9-2024)، باغتيال أمين عام حزب الله.

النائب عن حزب «الليكود» فاتوري لم يكتفِ بالتهديد بالاغتيال، بل كان وقحًا إلى درجة أنه كشف «خطة الحرب» علنًا.

وقال فاتوري إنها «مسألة أيام قبل أن تبدو ضاحية بيروت مثل غزة، واندلاع حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان مسألة أيام».

وأضاف: «لا توجد طريقة أخرى، نتنياهو يتفق معي في الرأي، وهذا أمر سوف يتطور في الأيام المقبلة».

وفي تصريحه قبل أسبوعين من بدء الحرب على لبنان في 23 أيلول، قال فاتوري:

«تبدأ الحرب بضربة استباقية كبرى مماثلة لتلك التي أحبطت إلى حد كبير هجومًا صاروخيًا لحزب الله على وسط إسرائيل أخيرًا (عملية الأربعين)

إلا أن هذه الخطة ستستمر لمدة 4-5 أيام على الأقل، يليها غزو بري».

وختم بالقول: «نعرف بالضبط مكان نصرالله، وقد نستهدفه إذا لم يكن هناك خيار آخر. هذا هو الاتجاه، وسيحدث ذلك في الأيام المقبلة».

ويمكن اعتبار أبرز مؤشر على نيّة إسرائيل اغتيال السيّد، سياسة استهداف القيادات التي شكّلت الذراع العسكرية لكل من حزب الله وحماس.

إذ طوال فترة العدوان على غزة وأثناء عام الإسناد في لبنان، نشر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي صورة هرمية لقيادات «حماس» من جهة، تقابلها صورة لقيادات الحزب.

وكان بعد كل اغتيال ينفذه جيش العدو ضد قيادات «حماس»، يشطب الشخص عن الصورة.

عند «حماس» شطب قيادات الصف الأول، منهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية وآخرون، إلى أن وصل إلى اغتيال القائد العام لكتائب القسام الشهيد محمد الضيف.

في المقابل، عند الحزب، فعل الإسرائيلي الشيء نفسه مع قيادات الحزب من الرتبة ذاتها، إلى أن وصل وترك السيد نصرالله وحيدًا، وبعض القيادات التي لم يتمكّن من الوصول إليها.

قد يقول أحدهم إنّ ما ذُكر هو تحليل وربط للأحداث بعد وقوعها.

هذا صحيح، ولكن لا يمكن إنكار وجود مؤشرات جدّية على نيّة إسرائيل القيام بمثل هذا العمل.

ألم يكن حزب الله ونصرالله يعلمان ذلك؟ يدرك «السيد» أنه في ساحة معركة، وأن احتمالية اغتياله مرتفعة، ولكنه بقي في غرفة عمليات المقاومة لإدارة الجبهة.

وكان يمكن له أن يترك المكان بعد ارتفاع التهديدات، خاصة أن ذلك اليوم شهد تداول خبرين:

الأول عن نية إسرائيل استهداف جمعية «وتعاونوا» على طريق المطار…

والثاني طلب الجمعيات الأجنبية غير الحكومية من موظفيها عدم سلوك طريق المطار بعد الظهر، ما يوحي بأن شيئًا ما سيحدث.

ومن المؤكد أن استخبارات حزب الله كانت ترصد كل هذه المعلومات مع حركة الطائرات المسيّرة فوق المكان

لكن مجددًا، شخص مثل «السيد» لن يترك ميدان المعركة.

عند الساعة 6:20 مساءً، نفّذت إسرائيل العملية وألقت 84 طنًا من المتفجرات على المكان الذي كان فيه نصرالله.

وفي مقابلة مع «القناة 12» العبرية في شباط الماضي، قال وزير الأمن السابق يوآف غالانت إنه «قرر مضاعفة كمية الذخيرة التي استخدمت في الهجوم».

وقال: «العملية نفذت يوم جمعة (27-9-2024)، ويوم الأحد السابق (22-9-2024) عرض عليّ رئيس الأركان وقائد القوات الجوية عملية تصفية نصرالله وأخبراني عن موقعه وغير ذلك».

أضاف: «سألتهما عن فرص النجاح. الإجابة التي حصلت عليها كانت 90 بالمئة.

سألتهما كم طنًا من المتفجرات تخططان لإسقاطها عليه؟ قالا 40 طنًا. فقلت لهما: بل استعملا 80 طنًا.

ضاعفا كمية المتفجرات لنصل إلى نسبة نجاح 99 بالمئة».

أمّا نتنياهو، فقد أبدى إعجابه بنصرالله في مؤتمر في آذار الماضي، بالقول:

«أُعجبتُ بشكل خاص ليس فقط بكونه قائدًا كفؤًا، بل أيضًا بعلاقته بإيران التي كانت مختلفة نوعًا ما عما كنتُ أعتقد.

أعتقد أنه تلاعب بإيران أكثر بكثير مما تلاعبت به إيران. لقد أثّر على إيران أكثر بكثير مما أثّرت به إيران».

وأضاف: «تلقيت تقريرًا استخباراتيًا ضخمًا، وقرأته، وكان عن نصرالله، وقرأته مرة أخرى. 80 صفحة.

قرأته أولًا، ثم قرأته مرة أخرى، وقلت إنه يجب أن يرحل. توصلتُ إلى استنتاج واضح أنه كان محور المحور. وإذا أزلناه، فسينهار المحور».

في المقابل، تجدر الإشارة إلى ما نشره الصحافي رون بن يشاي في «يديعوت أحرونوت» (21-9-2025)، عن وجود عناصر من «الموساد» أثناء عملية الاغتيال.

حمل المقال مغالطات عدة، أبرزها ما قاله عن قصف مكثف للضاحية، ما دفع عناصر «الموساد» إلى الاعتراض على المشاركة خوفًا من استهدافهم عن طريق الخطأ أثناء تنفيذ العملية، وهو أمر غير صحيح

إذ لم تكن الضاحية حينذاك قد بدأت تتعرّض للقصف، وكانت الاستهدافات الإسرائيلية فيها موضعية.

أمّا حديثه عن استشهاد 300 شخص مع السيد بعد عملية القصف، فهذا الرقم غير صحيح، إذ نعى حزب الله عدداً قليلاً من الأشخاص مع نصرالله.

قد يكون وجود عناصر «الموساد» ميدانيًا صحيحًا، وهو أمر غير مستبعد، ولكن المؤكد أن العملية لم تكن بمثل البطولة التي تخيّلها الكاتب.

في الختام، رجل بحجم السيد حسن لن يموت على فراش المرض. استُشهد في أطهر حرب ضد أنجس عدو، ومن أجل أشرف معركة. ومثله لا يموتون إلا بهذه الطريقة.

شاهد أيضاً

عون مُستاء من رئيس الحكومة وحزب الله لن يسكت | سلام واقفاً على الصخرة: الباحث دوماً عن المشاكل

  الأخبار الإثنين 6 تشرين اول 2025 عشية الذكرى الثانية لـ«طوفان الأقصى»، تنشغل عواصم القرار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *