قبل 34 سنة، نشرت الأديبة غادة السمّان، روايتها «الرغيف ينبض كالقلب»، وضمن فصل تعود وقائعه إلى العام 1974، تحت عنوان «فضيحة ميس الجبل»، تنقل الكاتبة بعض ما جرى معها في القرى الحدودية، ومنها بليدا، وتقول:
«سألتُ أحدهم عن اسمه وماذا يريد أن أكتب. قال: «اسمي محمد. م. من بليدا… قولي إنّنا نحن أهل الجنوب محرومون من كلّ شيء في بليدا. لا مدارس، لا طرقات، لا مستوصف، لا ماء، لا كهرباء. اكتبي إنّ بليدا مُعدمة، وإسرائيل، تضرب طوال النهار».
لم تكن سنّه تزيد عن 13 سنة. وقبل أن أتابع الحوار معه جرّني بعض أهل بلدة ميس الجبل من يدي قائلين: «تعالي انظري إلى هذه الفضيحة! انظري كيف يستغلّوننا، كيف يسرقون الملايين باسمنا». وتسلّقنا تلّاً، وصلنا إلى بناء بدا أثري المظهر حديث البناء، تبيّن في ما بعد أنه المدرسة الرسمية التي من المفروض أنّ مليوناً وربعاً من الليرات اللبنانية رُصدت لبنائها، واستقبلت التلاميذ لأول مرّة منذ أربعة أشهر فقط. قال لي أحد أبناء البلدة: «انظري إلى الجدران المشقّقة، إلى الماء الذي يسيل من السقف وينبع من الأرض. لقد أُصيب التلاميذ بالروماتيزم وكانت تُنشأ مذبحة بسبب «إفساد» بعضهم ضدّ بعض… لكنّ هذا البناء القائم أمامك حقيقة موضوعيّة. كيف تَرَينَهِ؟».
بناء مشقّق الجدران. الأبواب ليست أبواباً، وإنما هي ألواح ملصقة بعضها ببعض بصمغٍ رديء. حوض الماء بلا صنابير، والأرض تسبح فيها المياه القذرة، والمطر يقطر من السقف مثل بيوت مدينة مهجورة. كلّ ما أعرفه هو أنّ الأمر بشع ومحزن، وأنّ البناء الذي أراه أمامي لا يمكن أن يكون قد كلّف أكثر من 200 ألف ليرة! الباقي في جيب مَن؟ مسروق من لقمة مَن؟ من دواء مَن؟
المنطقة جميلة. ميس الجبل، ساحرة الطبيعة وزهر اللوز فيها يضيء، مثل عيون المقاتلين… لكنّ أحاديث الناس الغاضبين تجعلك لا ترى حُسناً… غالون الماء في السنة الماضية كان ثمنه بين 2–3 ليرات. كيف يشرب الناس هنا؟ كيف لا يمرضون؟ كيف لا؟!
الرضوان آلأخبآࢪية اخر الاخبار المحلية والدولية